مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) ول تعالى: ( من أجل) قتل ابن آدم أخاه ظلما وعدوانا: ( كتبنا على بني إسرائيل) أي: شرعنا لهم وأعلمناهم ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) أي: ومن قتل نفسا بغير سبب من قصاص ، أو فساد في الأرض ، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية ، فكأنما قتل الناس جميعا; لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس ، ( ومن أحياها) أي: حرم قتلها واعتقد ذلك ، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار; ولهذا قال: ( فكأنما أحيا الناس جميعا). وقال الأعمش وغيره ، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين. فقال: يا أبا هريرة ، أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي معهم؟ قلت: لا.
الملخص الفقهي " ( 2 / 443). ولا يجوز للمصول عليه أن يبادر بقتل الصائل إلا بعد أن يستنفذ وسائل دفعه، كتذكيره بالله تعالى ، وتخويفه وتهديده ، وطلب النجدة من الناس ، أو الاستعانة بالأجهزة الأمنية ، وله المبادرة بقتله إذا خشي أن يبادر المعتدي بقتله. فعَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي ، قَالَ: ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ ؟ قَالَ: فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ: فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ ، قَالَ: فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي ؟ قَالَ: قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ. رواه النسائي ( 4081) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ". ثانياً: وهذا إذا ثبت أنه قتله دفاعاً عن النفس ببينة ، كشهود يشهدون بذلك ، أو صدقه أولياء المقتول أنه قتله دفاعاً عن النفس ، أو وجدت قرائن قوية تدل على ذلك ، كما لو كان المقتول معروفاً بالشر والفساد ، وقد هدده ـ مثلا ـ بالقتل أمام الناس ونحو ذلك.
الحمد لله أولاً: يجب على المسلم أن يدفع عن نفسه وأهله كل من يصول ويعتدي عليه ، وليدفع بالأسهل ، فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: جاز للمصول عليه قتله ، وليس عليه قصاص ولا دية ولا كفارة ؛ لأن الشرع قد أذن له في قتله ، والمقتول المعتدي متوعد بالنار ، والمصول عليه إن قُتل فهو شهيد إن شاء الله ، ولا فرق بين كون المعتدي مسلماً أو كافراً. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ: قَاتِلْهُ ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ. رواه مسلم ( 140). وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) رواه الترمذي ( 1421) والنسائي ( 4095) وأبو داود ( 4772) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " ( 708).
قال فإنك إن قتلت رجلا واحدا فكأنما قتلت الناس جميعا ، فانصرف مأذونا لك ، مأجورا غير مأزور. قال: فانصرفت ولم أقاتل. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو كما قال الله تعالى: ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) وإحياؤها: ألا يقتل نفسا حرمها الله ، فذلك الذي أحيا الناس جميعا ، يعني: أنه من حرم قتلها إلا بحق ، حيي الناس منه [ جميعا] وهكذا قال مجاهد: ( ومن أحياها) أي: كف عن قتلها. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: ( فكأنما قتل الناس جميعا) يقول: من قتل نفسا واحدة حرمها الله ، فهو مثل من قتل الناس جميعا. وقال سعيد بن جبير: من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعا ، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعا. هذا قول ، وهو الأظهر ، وقال عكرمة والعوفي عن ابن عباس [ في قوله: ( فكأنما قتل الناس جميعا) يقول] من قتل نبيا أو إمام عدل ، فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن شد على عضد نبي أو إمام عدل ، فكأنما أحيا الناس جميعا. رواه ابن جرير. وقال مجاهد في رواية أخرى عنه: من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا; وذلك لأنه من قتل النفس فله النار ، فهو كما لو قتل الناس كلهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " السنة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل ، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار (يعني مقدار يسيرا) ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون حرمه فهو شهيد) …. فإن قتال المعتدين الصائلين ثابت بالسنة والإجماع " انتهى بتصرف. " مجموع الفتاوى " ( 28 / 540 ، 541). وفي " الروض المربع " ( ص 677): ومن صال على نفسه أو حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته أو ماله آدميٌّ أو بهيمةٌ: فله - أي: للمصول عليه - الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به ، فإذا اندفع بالأسهل حرم الأصعب لعدم الحاجة إليه. فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: فله - أي: للمصول عليه - ذلك أي: قتل الصائل ، ولا ضمان عليه ؛ لأنه قتله لدفع شره " انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "ومن صال على نفسه من يريد قتله أو صال على حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته من يريد هتك أعراضهن ، أو صال على ماله من يريد أخذه أو إتلافه ؛ فله الدفع عن ذلك ، سواء كان الصائل آدميّاً أو بهيمة ، فيدفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه ؛ لأنه لو منع من الدفع لأدى ذلك إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله ؛ ولأنه لو لم يجز ذلك: لتسلط الناس بعضهم على بعض ، وإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: فله قتله ، ولا ضمان عليه ؛ لأنه قتله لدفع شره ، وإن قُتل المصول عليه: فهو شهيد لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من أريد ماله بغير حق فقاتل ، فقتل ؛ فهو شهيد ) وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال: (جاء رجل ، فقال: يا رسول الله ، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي... وذكر الحديث المتقدم).